سنة 2024 …تحديات وتحولات في السياسة والاقتصاد المغربي
هبة بريس-عبد اللطيف بركة
تعد سنة 2024 محطة هامة في تاريخ المغرب السياسي، حيث شهدت تطورات محورية على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى قضايا اقتصادية واجتماعية أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين. في هذا المقال، سنستعرض أبرز الأحداث السياسية التي شكلت المشهد السياسي المغربي خلال هذه السنة، مع تقديم تفصيلات حول كل حدث وأبعاده.
1. التحديات الاقتصادية وإجراءات الحكومة
شهدت سنة 2024 استمرار التحديات الاقتصادية في المغرب، والتي كان لها تأثير كبير على السياسة الداخلية. على الرغم من النمو الاقتصادي الملحوظ في بعض القطاعات، إلا أن الحكومة المغربية واجهت صعوبة في معالجة معدلات البطالة المرتفعة وارتفاع تكلفة المعيشة. في هذا السياق، قررت الحكومة المغربية تحت قيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للتخفيف من هذه الضغوط.
تمثل أبرز القرارات الاقتصادية في زيادة الدعم الموجه للفئات الهشة، إلى جانب اتخاذ تدابير تحفيزية للنهوض بالاستثمار، خاصة في القطاعين الصناعي والفلاحي. كما تم إقرار إصلاحات ضريبية لتحسين مناخ الأعمال وتشجيع ريادة الأعمال. لكن في المقابل، تزايدت الاحتجاجات الشعبية في بعض المناطق بسبب عدم كفاية هذه الإجراءات في مواجهة الأزمات الاقتصادية.
2. الحوار الاجتماعي والاحتجاجات العمالية
في إطار تعزيز التوازن الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، كانت سنة 2024 شاهدة على سلسلة من الحوارات بين الحكومة والنقابات العمالية. وقد تركزت هذه الحوارات حول رفع الأجور وتحسين ظروف العمل في العديد من القطاعات، بما في ذلك التعليم والصحة والنقل. في هذا السياق، نظمت عدة نقابات احتجاجات ومسيرات في المدن الكبرى للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية للعمال.
على الرغم من أن الحكومة سعت إلى تقديم بعض الحلول، مثل رفع الحد الأدنى للأجور وتقديم حوافز ضريبية لبعض الفئات، إلا أن النقابات كانت ترى أن هذه القرارات لم تكن كافية، ما أدى إلى استمرار التوترات الاجتماعية. وقد كانت هذه الاحتجاجات بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
3. القضية الوطنية “الصحراء المغربية”
ظل نزاع الصحراء المغربية في 2024 واحدًا من أهم القضايا السياسية التي تؤثر في العلاقات الخارجية للمغرب. في هذا السياق، شهدت السنة تزايدًا في الدعم الدولي لمغربية الصحراء، سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي.
في يناير 2024، شهدت العلاقات المغربية الأمريكية تقدمًا كبيرًا بعد توقيع اتفاقيات اقتصادية وثقافية جديدة، تضمن تعزيز التعاون في مجالات عدة، بما في ذلك قضية الصحراء. كما أعلنت عدة دول أفريقية عن دعمها لمغربية الصحراء، مما دفع العديد من المراقبين إلى الاعتقاد بأن القضية تشهد تحولات إيجابية على الصعيد الدولي.
من جهة أخرى، استمر المغرب في تعزيز وجوده الدبلوماسي في المنتديات الدولية، وخصوصًا الأمم المتحدة، حيث حاول الدفع نحو التوصل إلى حل نهائي للنزاع المفتعل.
ونجحت الدبلوماسية المغربية بتوجهات ملكية حكيمة لمحمد السادس في تحريك الملف دوليا ومع شركاءه التقليديين ” فرنسا وإسبانيا ” بعد اعتراف هاتين الدولتين بمقترح المملكة حول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وهو الحل الذي وقع عليه إجماع دولي، وأصبح على مشارف طيه بشكل نهائي.
4. الانتخابات المحلية والجهوية
في نهاية سنة 2024، كانت البلاد على موعد مع الانتخابات المحلية والجهوية، والتي كانت تتوقع أن تحمل تغييرات مهمة في المشهد السياسي المغربي. الانتخابات كانت تركز على تعزيز الحكم المحلي وتحسين مستوى الخدمات في الأقاليم، فضلاً عن محاولة إشراك الشباب والنساء بشكل أكبر في عملية صنع القرار.
حظيت هذه الانتخابات بمتابعة إعلامية واسعة، حيث ركزت الأحزاب السياسية على تقديم وعود بخصوص تحسين البنية التحتية والخدمات العامة. كما ظهرت بعض التحديات، مثل انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات بسبب الإحباط السياسي لدى بعض فئات المجتمع، وهو ما أثار نقاشات حول ضرورة إصلاح النظام الانتخابي وتحفيز المواطنين على المشاركة في الانتخابات.
5. علاقات المغرب مع دول الجوار
في سياق العلاقات الخارجية، شهدت سنة 2024 تطورات هامة في العلاقات بين المغرب وبعض الدول المجاورة، خاصة الجزائر. تواصل التوتر بين البلدين في إطار الأزمة المستمرة حول قضية الصحراء المغربية، بالإضافة إلى الخلافات السياسية والاقتصادية.
ومع ذلك، سجلت العلاقات المغربية مع بعض الدول الأفريقية والشرق أوسطية تقدمًا ملحوظًا في مجالات التجارة والاستثمار، حيث وقعت المملكة العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تعزز موقفها في الساحة الدولية.
6. التحولات السياسية الداخلية: تقوية المؤسسات الدستورية
استمر المغرب في تعزيز نظامه السياسي والدستوري في 2024. كانت هناك خطوات مهمة نحو تعزيز استقلالية السلطة القضائية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة، وذلك من خلال إقرار بعض الإصلاحات القانونية الهامة.
كما تم التأكيد على ضرورة تطوير الحياة السياسية المحلية وتنظيم الأحزاب السياسية، حيث شرعت الحكومة في تطبيق إصلاحات بهدف تعزيز الشفافية وتقوية المؤسسات السياسية.
7. التحديات البيئية وتغير المناخ
على الرغم من أن هذا ليس حدثًا سياسيًا بحتًا، إلا أن التغيرات المناخية كانت عاملاً مهمًا في السياسة المغربية لعام 2024. فقد شهد المغرب عدة أحداث بيئية خطيرة، مثل الجفاف في بعض المناطق والفيضانات في أخرى. وقد شكل ذلك ضغطًا كبيرًا على الحكومة التي اضطرت إلى اتخاذ تدابير عاجلة للتعامل مع هذه الظواهر الطبيعية، مثل تعزيز استثمارات الطاقة المتجددة وزيادة الدعم للقطاع الزراعي لمواجهة قساوة المناخ.
بشكل عام ، كانت سنة 2024 سنة مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية في المغرب، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وقد تعاملت الحكومة مع هذه التحديات بشكل تدريجي، في محاولة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وفي نفس الوقت دفع عجلة التنمية الاقتصادية والبيئية. ومع استمرار التوترات في بعض الملفات السياسية الكبرى مثل قضية الصحراء، يبقى المستقبل السياسي للمغرب مرتبطًا بقدرته على التكيف مع هذه التحديات وتوفير حلول فعالة من خلال تحقيق العدالة المجالية من خلال الجهوية الموسعة والنموذج التنموي الجديد وخلق نمو اقتصادي متماسك ومستدام.