
رمضان في هولندا.. روحانية في المساجد وفوضى في الشوارع
هبة بريس _ محمد زريوح
يمثل شهر رمضان في هولندا تجربة فريدة للمسلمين، حيث يتعايشون مع تحديات الغربة، ويسعون إلى خلق أجواء تذكرهم ببلدانهم الأصلية. رغم اختلاف البيئة والثقافة، يحرص المغاربة ومعهم المسلمون من مختلف الجنسيات على الحفاظ على روح الشهر الفضيل، واستغلاله كفرصة للتقرب من الله وتقوية الروابط الاجتماعية.
بعيدًا عن الأوطان، يتجلى الحنين إلى الأجواء الرمضانية في تفاصيل الحياة اليومية، حيث يحاول المسلمون قدر الإمكان إعادة إنتاج العادات والتقاليد التي نشؤوا عليها. وعلى الرغم من أن الشوارع لا تعكس هذه المناسبة، إلا أن البيوت تمتلئ بمظاهر الاحتفال، وتنبض المساجد بالحياة، فتتحول إلى مراكز تجمع المسلمين للصلاة والعبادة والتواصل الاجتماعي.
داخل المساجد، يصبح رمضان أكثر وضوحًا وحيوية، حيث تتوافد أعداد كبيرة من المصلين، خاصة خلال صلاتي العشاء والتراويح. هذه الأجواء تعكس مكانة الشهر الكريم في نفوس المسلمين، وتعوضهم عن غياب المظاهر الرمضانية في الفضاءات العامة، مما يمنحهم شعورًا بالانتماء والألفة رغم اختلاف السياق الثقافي والاجتماعي.
ومع ازدياد الإقبال على المساجد، تظهر بعض التحديات التي تحتاج إلى حلول، أبرزها مشكلة الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في محيط دور العبادة. ففي مجتمع يعتمد على التنظيم الدقيق والاحترام الصارم للقوانين، يُتوقع من الجميع الالتزام بالأنظمة المرورية وعدم التسبب في إزعاج الآخرين، وهو أمر يبدو صعب التحقيق لدى البعض خلال هذا الشهر.
من بين أبرز المظاهر السلبية التي تتكرر سنويًا، الازدحام المروري العشوائي ووقوف السيارات بطريقة غير قانونية، مما يعطل حركة السير ويؤدي أحيانًا إلى شكاوى من السكان المجاورين للمساجد. هذه التصرفات تضع المسلمين في موقف لا يعكس الصورة الإيجابية التي ينبغي أن يحملها الآخرون عنهم، خاصة في بلد يعطي أهمية كبيرة للنظام العام.
في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون رمضان فرصة للتهذيب الذاتي والتحلي بأفضل الأخلاق، يجد البعض صعوبة في ربط العبادة بسلوكياتهم اليومية. إذ لا ينبغي أن يكون الالتزام داخل المسجد فقط، بل يجب أن يمتد إلى كل مناحي الحياة، بما في ذلك احترام القوانين والأنظمة التي تساهم في راحة الجميع.
المقارنة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمع الهولندي تثير تساؤلات حول أسباب الفجوة في احترام النظام. في بلدٍ يتمسك سكانه بالقوانين باعتبارها جزءًا أساسيًا من ثقافتهم، يبرز التساؤل حول قدرة المسلمين على التكيف مع هذه الثقافة وإدماجها في سلوكهم اليومي، بدلًا من التمسك بعادات قد لا تتناسب مع السياق الجديد.
ليس من الصعب على المسلمين أن يكونوا أكثر التزامًا بالنظام، فهم يملكون في دينهم مبادئ تدعو إلى احترام الآخرين وعدم التسبب في الإزعاج لهم. لكن المشكلة تكمن في التطبيق، وفي مدى قدرة الأفراد على إدراك أن حسن السلوك والالتزام بالنظام لا يقل أهمية عن أي شعيرة دينية أخرى.
إذا كان رمضان فرصة للتغيير والارتقاء، فإن أولى خطوات هذا التغيير تبدأ من تعديل السلوكيات اليومية التي تعكس قيم الإسلام في أبهى صورها. وعندما يحرص المسلم على أن يكون قدوة في مجتمعه، فإنه لا يخدم نفسه فقط، بل يعكس صورة إيجابية لدينه وثقافته أمام الآخرين.
في النهاية، يبقى رمضان مناسبة عظيمة للتأمل والتطوير الذاتي، وهو فرصة ليظهر المسلمون أفضل ما لديهم، لا أسوأ ما لديهم. رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل تجربة متكاملة تهدف إلى تهذيب النفس وتعزيز القيم الإيجابية، ليكون الإنسان أكثر وعيًا ورقيًا في علاقاته وسلوكياته اليومية.